شبكة قدس الإخبارية

ترامب و"إسرائيل": الرومانسية المطلقة تصطدم بالمفاجآت المحبطة 

٢١٣

 

2024-09-19T232901Z_2119772647_RC2Z3AAI73LS_RTRMADP_3_USA-ELECTION-TRUMP

متابعة  - شبكة قدس: كشفت وكالة "رويترز" مساء اليوم الخميس، نقلاً عن مصدرين مطّلعين على المحادثات، أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ألغى مطلب بلاده من السعودية بالاعتراف بـ"إسرائيل" كشرط لتقديم دعم أميركي لبرنامج نووي مدني سعودي. يأتي ذلك في إطار استعداد ترامب لزيارة مرتقبة إلى الشرق الأوسط، تشمل السعودية والإمارات وقطر، وتنطلق يوم الثلاثاء المقبل، على خلفية الحرب على قطاع غزة ورفض "إسرائيل" الاعتراف بدولة فلسطينية، وهو شرط مركزي يصر عليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتطبيع العلاقات.

ووصفت "رويترز" هذا التراجع الأميركي بأنه "تنازل كبير" من واشنطن في المفاوضات مع الرياض، مشيرة إلى أنه في عهد الرئيس السابق جو بايدن، كانت المحادثات بشأن التعاون النووي جزءًا من صفقة شاملة تتضمن تطبيعًا سعوديًا مع "إسرائيل" واتفاقًا دفاعيًا مع الولايات المتحدة. لكن هذه الصفقة لم تكتمل بسبب إصرار السعودية على إحراز تقدم في المسار السياسي نحو إقامة دولة فلسطينية، وهو مطلب رفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل قاطع، حتى على المستوى التصريحي.

وأكد أحد المصادر التي تحدثت إلى "رويترز" أنه رغم التراجع الأميركي عن اشتراط التطبيع مع "إسرائيل"، فإن التوصل إلى اتفاق نووي مدني مع السعودية ما يزال غير مضمون، وسط مخاوف من إمكانية استغلال الرياض لهذه التكنولوجيا لتطوير سلاح نووي مستقبلاً.

وكان وزير الطاقة الأميركي كريس رايت قد زار الرياض الشهر الماضي، والتقى نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، وأعلن أن الولايات المتحدة على وشك التوقيع مع السعودية على اتفاق مبدئي بشأن التعاون النووي المدني، مؤكدًا أن الجانبين "يسيران على المسار الصحيح" بهذا الاتجاه.

وأوضح رايت أن إبرام مثل هذا الاتفاق يتطلب، بموجب القانون الأميركي، التزام السعودية بعدد من القيود التي تحول دون استخدامها للتكنولوجيا النووية لأغراض عسكرية أو نقلها إلى جهات أجنبية. ولفت إلى أن الرياض لم توافق حتى الآن على هذه الالتزامات، المنصوص عليها في قانون الطاقة الذرية الأميركي الصادر عام 1954، كشرط لمشاركة الحكومة والشركات الأميركية في برامج نووية أجنبية.

وبحسب "رويترز"، لا يزال القانون الأميركي يمثل عائقًا أمام التوصل إلى الاتفاق النهائي. وأشار أحد المصادر إلى أن السعوديين غير مستعدين حاليًا لتقديم تنازلات، ويتم بحث "صيغة تسوية" قد تسمح فقط لموظفين أميركيين بالوصول إلى منشآت تخصيب اليورانيوم داخل السعودية.

وترى الرياض في البرنامج النووي المدني وسيلة مثلى للحصول على التكنولوجيا والمعرفة اللازمة، تمهيدًا لإمكانية تطوير برنامج نووي عسكري في المستقبل، إذا ما قررت ذلك. كما أن المشروع النووي يمثل جزءًا من "رؤية السعودية 2030" التي يقودها محمد بن سلمان، والهادفة إلى تقليل الاعتماد على النفط، وتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة.

وفي سياق آخر، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي عن صفقة أسلحة مع السعودية بقيمة 3.5 مليار دولار، تتضمن بيع ما يصل إلى ألف صاروخ موجه متقدم من طراز AIM-120C-8، بالإضافة إلى معدات وخدمات لوجستية مرافقة. وأوضحت الوزارة أن الصفقة تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية الجوية للسعودية، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في منطقة الخليج، دون أن تؤثر على توازن القوى العسكرية الإقليمي.

تثير هذه التقارير خشية إسرائيلية حقيقية من سياسة ترامب الخارجية، والتي تنبأ بها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو. بحسب مصادر مطلعة تحدثت مع صحيفة يديعوت أحرونوت، فضّل نتنياهو، خلال انتخابات الرئاسة الأميركية التي خاضها جو بايدن ودونالد ترامب، فوز بايدن انطلاقًا من اعتقاده بأن بايدن صهيوني ملتزم وداعم لـ"إسرائيل"، وأن بإمكان نتنياهو التلاعب بالنظام الأميركي لصالح المصالح الإسرائيلية. غير أن المعادلة تغيرت مع دخول كامالا هاريس على الخط، ما عقد الموقف بالنسبة له.

رغم الإدراك الإسرائيلي للدعم التقليدي غير المشروط من الحزب الجمهوري، فإن ترامب لا يُعد جمهوريًا نمطيًا، إذ يُؤمن قبل كل شيء بشعار حملته "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا"، وترتكز رؤيته للعالم على إدارة المخاطر وتعظيم الأرباح الأميركية.

الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط تركز على الجوانب الاقتصادية وصفقات ضخمة من المزمع توقيعها مع دول المنطقة، إلى جانب استثمارات تُقرب الولايات المتحدة من العواصم العربية لسنوات قادمة. المثير أن جدول الزيارة لا يتضمن توقفًا في "إسرائيل"، رغم المحاولات الإسرائيلية المكثفة لترتيب ذلك، ما يعكس تراجع موقع "إسرائيل" في سلم أولويات واشنطن. المقارنة تبدو حاضرة هنا مع بداية ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي اختار القاهرة وإسطنبول كمحطتين أوليين متجاوزًا "إسرائيل"، ما ألقى بظلاله على مجمل العلاقات لاحقًا.

داخل الحزب الجمهوري، تتصاعد الانقسامات بشأن السياسة الخارجية. فبينما يدعو رموز تقليديون مثل مايك وولتز إلى دعم "إسرائيل" ومهاجمة إيران، يفضل تيار "الانعزالية الجديدة" بقيادة دون جونيور (نجل ترامب) ونائبه جي دي فانس، التركيز على الداخل الأميركي وتفادي الانخراط في صراعات خارجية. هذا التيار يبدو اليوم في موقع أقوى، خاصة بعد إقصاء وولتز من منصبه كمستشار للأمن القومي، رغم أن غالبية التعيينات في مجالي السياسة الخارجية والدفاع توصف بـ"المؤيدة لإسرائيل". ومع ذلك، تشعر "إسرائيل" بأنها تُترك وحيدة في مهب الريح.

فالسياسة الترامبية تحت شعار "أميركا أولاً" لا تعني بالضرورة عداءً لـ"إسرائيل"، لكنها تُعلي من المصالح الأميركية على حساب كل شيء. وعندما بدأت الولايات المتحدة تنفيذ ضربات جوية في اليمن، عارضها نائب الرئيس فانس على أساس أن النزاع لا يخص الأميركيين. أما "إسرائيل"، فاهتماماتها لم تعد تتقاطع مع الأجندة الأميركية، لا سيما في الملف الإيراني – وهو أكثر ما يثير قلق نتنياهو.

الولايات المتحدة تتقدم بخطى حثيثة نحو اتفاق نووي جديد مع طهران، وتتحدث علنًا عن منح إيران الحق في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية. "إسرائيل"، التي لم يتم إعلامها بهذه التطورات إلا في اللحظات الأخيرة، تلقت النبأ بذهول، خاصة أن إيران، من وجهة النظر الإسرائيلية، لم تغيّر من "سلوكها العدائي"، لا بل تواصل التخطيط لاغتيال مسؤولين أميركيين، أبرزهم ترامب نفسه ووزير خارجيته السابق مايك بومبيو، فضلًا عن تمويلها وتوجيهها لجميع أذرعها في المنطقة.

صدمة أخرى تلقاها الإسرائيليون حين كشف ترامب أنه أقنع نتنياهو بالتراجع عن تنفيذ ضربة ضد إيران. الإحباط في أروقة الحكم الإسرائيلي بلغ مستويات غير مسبوقة، خصوصًا بعد إعلان ترامب وقف الغارات ضد أنصار الله في اليمن من دون تنسيق مسبق مع نتنياهو، التي علمت بذلك عبر وسائل الإعلام، في خطوة اعتبرتها تجاوزًا لا يُغتفر. الرسالة التي تلقاها الإقليم كانت واضحة: "إسرائيل" لم تعد ضمن الأولويات الأميركية. فإذا كانت واشنطن تفاوض أنصار الله والإيرانيين خلف ظهر نتنياهو، فما الذي يمنع هذه الأطراف من مواصلة استهداف "إسرائيل" عسكريًا؟.

يضاف إلى ما سبق، الانسحاب الأميركي من سوريا، ومغازلة ترامب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغم خطاباته المعادية لـ"إسرائيل"، بل وعودة الحديث عن بيع مقاتلات "F-35" لأنقرة، كلها مؤشرات مقلقة. هذا فضلًا عن الصفقات الاقتصادية الكبرى التي ينسقها ترامب مع السعودية، والتي تُزيح ملف التطبيع عن سلّم الأولويات، ربما لأن ترامب يدرك أن نتنياهو لا ينوي إنهاء الحرب على غزة، ولا يقبل بأي صيغة توحي باستعداده للقبول بحل الدولتين وهو الشرط السعودي الأساسي للمضي في مسار التطبيع.